إن حقوق الإنسان تعني الكثير في العالم الحالي، ويمكننا أن نقول أن العالم العربي الآن في خضم معركة تمكين حقوق الإنسان، من حيث الحرية الفكرية السياسية والجنسية وما إلى ذلك من حريات لم تكن متاحة له لقرون من الزمان تحت راية الدول العربية التي تدين في معظمها الديانة الإسلامية، وقد زاد الحديث عن حقوق الإنسان في السنوات الأخيرة بالتحديد، بشكل واضح في المؤسسات الأممية والمؤسسات المحلية، وخصوصًا بعد النزاعات والحروب السياسية والعسكرية والثقافية. وتعد حقوق الإنسان منظومة من المبادئ المعتمدة عالميًا، على خلاف نزعاتها الفلسفية واختلافها مع كثير من الأديان في بعض الأحيان. ونجدها الآن في كثير من دساتير الدول وتشريعاتها، وتنفذ بحكم القانون المحلي والدولي، ومن المفترض أن توقع عقوبات عالميًا على الدول التي تخالفها.
الفكرة المحورية في حقوق الإنسان الدولية هي أن الدول مسئولة عن الوفاء بشروط معينة عند تعاملها مع شعوبها، وأن حالات الفشل الفعلية أو المتوقعة عن تحقيق ذلك يمكن أن تبرر شكلا ما من التدخل من جانب المجتمع العالمي، أو من جانب من يقومون بهذا الدور، ونجد هذه الفكرة متضمنة في بنود ومواد حقوق الإنسان الواردة في ميثاق الأمم المتحدة الذي يوضح، كما بينت إحدى محاكم الولايات المتحدة :" إن معاملة أي دولة مع مواطنيها في هذا العصر الحديث هو شأن دولي". وأخذت الفكرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ما يعرف بالممارسة الطارئة لحقوق الإنسان.
إن في الأصل حقوق الإنسان هي أفكار فلسفية منذ عهد فلاسفة التنوير، فقد تجادل حولها الفلاسفة وقتها كثيرًا لتحديد الحقوق التي تجعل من المرء حرًا كريمًا، ولكن حقوق الإنسان المعاصرة تجاوزت تلك النظرة الفلسفية السابقة، وأصبحت لها طبيعتها الخاصة الجديدة وشروطها وتطبيقاتها، وعلينا أن نفهمها ونقبلها على أنها استجابة لأوضاع تاريخية وعالمية متغيرة، ويجب فهم معيارية التطبيق والممارسة لهذه الحقوق في ظل تلك الأوضاع المتغيرة، أي بمعنى آخر، تطبيق هذه الحقوق وتنفيذها متغير حسب المواقف والأزمان. والمعيارية التي يقاس عليها هذا التنفيذ غير واضحة ومطاطة وقابلة للتشكل والتلون.
إنه من الواضح للجميع في هذا العصر، أن حقوق الإنسان بنظرة عالمية، لم تعد تهتم بالثقافات المختلفة للشعوب ولا دياناتها ولا أفكارها الفلسفية المختلفة. وإنما أصبحت قواعد عامة للجميع تدعي أنها لا تتبع أي فصيل أو اي اتجاه سياسي أو أخلاقي، وإنما تهتم بالإنسان ككائن مجرد، وترتكز الحجة البنائية للنظرة العالمية لحقوق الإنسان، على معطًي يفهم حقوق الإنسان بوصفها عامةً شاملةً، هدفها حماية الأفراد/ الأشخاص من الأخطار التي تهدّد أهم مصالحهم وحياتهم، الناجمة عن تصرفاتٍ أو إهمالٍ من حكوماتهم. ومن تلك النظرة، فمن المفترض أن يكون إنجاز هذه الغاية من خلال وضع بعض جوانب السلوك المحلّي للحكومات ضمن نطاق الاهتمام الدولي الشرعي.
وقد حدث بالفعل، فبالنسبة إلى لجنة الجمعية العامة للأمم المتحدة التي كان دورها مراجعة مسوّدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، نجد أنّها حرصت على إظهار ضرورة أن تحظى حقوق الإنسان باعتراف وحماية دوليَّين، وأن ينظر إليها في إطار التعبير القانوني الدولي، ولا يترك أمر التنفيذ للدول أو للأفراد والأشخاص، فلم تنظر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على أنها هبة طبيعية من الخالق وسوف تسري مشيئته في الأرض بدون تدخل، بل اعتبرت أن حقوق الإنسان قوانين يجب أن تسن، وتعاقب الدول أو الأفراد المنتهكين لها.
بالتفكير في موضوع حقوق الإنسان، نرى أنه لم يكن الموضوع الملائم للممارسة السياسية،أو أنه ليس من الجيد إدخاله إلى نطاق الفعل السياسي. بسبب أنّ القضايا المتنازع فيها تبدو، في أغلب الأحيان، مفتعلةً لمصلحة الحرب الباردة. ونظرًا إلى هذه المصالح السياسية التي تحققها حقوق الإنسان فيمكننا أن نقول أن حقوق الإنسان الحالية لم تتضمن مشكلات فلسفيةً بالغة الأهمية، أو لم توضع بطريقة فلسفية تفكر في كينونة الإنسان وكيفية الحفاظ على كرامته.إنّ العقل السياسي المحكوم بفكرتي "الممارسة والمصلحة" لا يمكنه أن يقدِّم دائمًا طريق الرشاد والاستنارة بخصوص حقوق الإنسان، ولا سيما عندما تخضع معايير هذه الحقوق لتكييفات المصلحة والقوة والهيمنة، مثلما يظهر في العلاقات بين الدول.
إن فكرة حقوق الإنسان كمبدأ عالمي شمولي يمكن تحليلها في عدّة جهات. ويمكن
القول أنّ هذه الجهات تتلخص في المنظور السياسي،المنظور القانوني الحقوقي، المنظور البراغماتي العملي، منظور الخبرة والثقافة. والملاحظ أنّ هذه المناظير مدمجة في بعضها، فهي مرتكزةً على فكرتي الممارسة والتطبيق من جهة، والقانون الدولي من جهة ثانية.
إنّ أهمّ تراث للحرب العالمية الثانية يتمثّل بانتشار فكرة حقوق الإنسان أو عولمتها على النطاق العالمي، على أساس "أنّ كلّ شخص هو موضوع اهتمام كوكبي. ليس مهمًّا الموقع الجغرافي للشخص أو الفصيل السياسي، أو الفريق الاجتماعي الذي ينتمي إليه، إذ كلّ إنسان له حقوق إنسانية وعليه مسؤوليات حماية واحترام هذه الحقوق، الأمر الذي من شأنه أن يتسع ويمتد عبر الحدود السياسية والاجتماعية"
بشكل ما أو بآخر سنصل إلى نتيجة مفادها أنه ربما تكون حقوق الإنسان الحالية ماحية للهوية المجتمعية ومعززة للهوية الفردية، فهي تجعل من الإنسان المفرد الوحدة الأساسية في هذا العالم، ولا تجعل هنالك من سلطات عليه بفعل الدين أو المذهب أو العرق أو التقاليد المجتمعية، وهذا من شأنه أن يكون مفككا لفكرة الجموع، بل ربما ليست تلك المشكلة فقط، المشكلة الأكبر هي "هل محو الهوية الثقافية الخاصة بالدول يعزز الأفراد ويزيد من مكانتهم الإنسانية أم يعزز هوية أخرى؟ والمقصود بهوية أخرى هي مجموعة من أنماط المعيشة الليبرالية وضعتها الدول الأكثر سيطرة وقوة في العالم من أجل الإخضاع الثقافي لباقي الأمم "
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان